لقد صاحب التقدم التقني والتكنولوجي وابل الأمراض التي باتت تؤرق المعنيين بهذا الشأن في كافة دول العالم، وحتى تبدو الصورة أكثر وضوحًا فإن التقدم التكنولوجي بالطبع ليس سببًا في هذه الأمراض ولكنه سبب في الكشف عنها حتى أصبحت معلومة لكافة الباحثين، ومن ثم بدأ العلماء والباحثون سباقًا محمومًا للتوصل إلى حل مجدٍ، وكجزء من تلك المحاولات بدأ العلماء في التوصل إلى بعض الطرق الممكن من خلالها منع الإصابة بالمرض وذلك بالتحكم في الجينات، لكن الحديث عن الجينات أمر غاية في التعقيد ولا يقبل عليه الكثيرون، لذا يجد البعض في الطب الوقائي ضالته المنشودة حيث يتبع توجيهات وإرشادات مبسطة تخلق لديه قناعة بأنه يستطيع أن يعيش حياته في مأمن من الإصابة بالأمراض وأيضًا اتباع النصائح التي يسديها أساتذة التغذية المتخصصون إضافة إلى البحث عن بعض الممارسات الرياضية البسيطة والمفيدة مثل الركض.
وفيما يلي سوف نسلط الضوء على بعض العادات الهامة التي يعتبرها العلماء تسهم بدرجة كبيرة في التمتع بصحة أفضل ويمكن أن نطلق عليها في مجملها طرق وقائية، وقد تحدث جاسون ثيودو ساكيس اختصاصي الطب الوقائي عن بعض هذه العادات:
الأمر الأول: الذي يعد جزءً من برنامجنا الوقائي هو: النوم الجيد، فمن لا يأخذ قسطًا مناسبًا من النوم كمًّا وكيفًا لا يمكن أن يتمتع بصحة جيدة.
والولايات المتحدة الأمريكية تعد أولى البلدان التي أجريت دراسات في هذا الصدد وكان النتيجة أن 45 مليون أميركي يعانون من مشاكل النوم وهذا الرقم في تزايد مستمر، وبالرغم من أن البحث عن حلول لتلك المشكلة مازال قيد الدراسة في العديد من المدارس الطبية وبالرغم من جود العديد من الأدوية البسيطة ذات الفاعلية إلا أن الأقراص المنومة مازالت العلاج المفضل لدى الكثير من الناس وفي الواقع نجد أن الحبوب المنومة تعد أكثر الأدوية التي ترد في وصفات الأطباء باستثناء حبوب تحديد النسل التي تتقدم عليها.
وقلة النوم أو عدم انتظامه يمكن أن يكون سببًا في العديد من المشاكل الصحية الأخرى مثل الاكتئاب، نقص المناعة، ضعف الذاكرة والقدرات الإدراكية والمعرفية، انخفاض مستوى الطاقة وفقدان الشهية.
والأخطر من ذلك أن دراسة حديثة بينت أن مشاكل النوم المزمنة تنقص من عمر الإنسان (يقل العمر الافتراضي لدي من يعاني من تلك المشاكل) والنوم الطبيعي الصحي له صفات معينة يجب أن تراعى، وقد قام الباحثون تقسيم الليلة إلى دورات والدورة إلى مراحل، فبالنسبة للقدر المناسب من النوم لكل ليلة فهو عبارة عن 5 أو 6 دورات، وزمن الدورة الواحدة (90 دقيقة) وبذلك يكون القدر الكلي من 7. 5 ساعات إلى 9 ساعات وكل دورة من الدورات المذكورة تتكون من أربع مراحل تبدأ من النوم الخفيف في المرحلة الأولى حتى الغطيط الشديد في المرحلة الرابعة وهكذا يستمر الحال من دورة إلى أخرى، أما الحركة السريعة للعين فتحدث عندما تنتهي المرحلة الرابعة ونبدأ في دورة جديدة، ومع انتهاء الليلة يصبح النوم خفيفًا في المرحلة الثالثة والرابعة من الدورة الأخيرة.
وعندما يقوم الأطباء بأجراء فحوصات للتعرف على اضطرابات النوم وإيجاد حل لها فهم يستخدمون تلك المراحل ليحددوا بدقة أين تحدث المشكلة، وحتى الآن توصل الأطباء إلى 86 نوع مختلف من اضطرابات النوم.
وهناك العديد من العوامل التي تسبب مشاكل النوم أو تؤدي إلى تفاقمها، وأكثر العوامل التي لها تأثير سلبي على النوم هي: الضغوط، القلق، الاكتئاب، سوء استعمال الحبوب المنومة، وتعاطي الخمور، التبغ، الكافيين، المشاكل الصحية والعمرية، والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة لتقدم العمر مثل انقطاع الطمث والاكتئاب وتناول أنواع متعددة من الأدوية وانخفاض الإفراز الطبيعي للميلاتونين (والميلاتونين عبارة عن هرمون في المخ تفرزه الغدة الصنوبرية) .
ويمكن أن تكون اضطرابات النوم أحد الأعراض المصاحبة للعديد من المشاكل الطبية والأمراض الأخرى وذلك هو السبب الذي يجعل طبيعة النوم جزءً هاما من التاريخ الطبي للمريض والذي يجب أن يعلمه الطبيب.
وعندما يتم تشخيص المشكلة التي تعاني منها بالصورة المناسبة فإن ذلك يهم بدرجة كبيرة في تحقيق الجانب الصحي من النوم، وهناك بعض العادات التي تجعل النوم عميقًا وجيدًا وتجعلك تشعر بالراحة والانتعاش عندما تستيقظ وهناك بعض الخطوات البسيطة لكنها هامة في نفس الوقت تساعد في تحسين عملية تحسين النوم والتخلص من الاضطرابات المصاحبة لها في غضون أيام قليلة، ومن هذه الخطوات: أن تعتني بالحشية والملاءة والوسادة ليس فقط من أجل الراحة البدنية ولكن من أجل الراحة النفسية أيضًا، وأن تجعل المناخ داخل الحجرة يشعرك بالراحة ويهيئك نفسيًّا وبدنيًّا للنوم ويفضل أن يكون أبرد من المعتاد لكن ليس بدرجة كبيرة، ومما لا شك فيه أن الظلمة المصحوبة بشيء من البرودة تخفر المخ على إفراز سلسلة من الهرمونات التي تشعر الشخص بالنوم، لا تحتفظ بأي شيء يتعلق بالعمل في غرفة نومك لأن ذلك سوف يدفع العقل إلى التفكير في الوقت الذي يجب أن يخلد فيه إلى الراحة، وإذا حدث واستيقظت في منتصف الليل فلا تجبر نفسك على النوم ثانية وامنح نفسك 10 أو 15 دقيقة حتى تأتيك الرغبة في النوم مرة ثانية ولكن إذا لم تستطع فعليك مغادرة غرفة نومك ولا تعد إليها حتى تشعر بالنعاس، ولا تقلق بشأن بقاءك مستيقظًا فإن لم تكن قادرًا على النوم فلا طائل من الاستلقاء في السرير، وفي الحقيقة إن الاستلقاء في السرير بدون نوم قد يسبب القلق ويجعل النوم أصعب، ويطلق الأطباء على هذه الحالة اسم الأرق المشترط.
وكن حذرًا بشأن الميلاتونين الذي يباع كثيرًا على أنه علاج للأرق والإرهاق فقد قرر معظم المتعاطين له أنهم لم يشعروا بتحسن بل ساءت حالاتهم أكثر بعد استخدام تلك المادة المحولة صناعيًّا من هرمون النوم الطبيعي.
ودائمًا تناقش مع طبيبك ما تأخذه من أدوية حتى تلفت انتباهه إلى ما تأخذه ويكون على علم بها.
ويمكنك أن تلجأ إلى ممارسة التدليك إذا كانت مشكلتك متصلة بالتوتر ونتائج استخدام التدليك مبشرة إلى حد ما ولكن الأمر ما زال قيد الدراسة في العديد من الجامعات لبحث أثاره على عملية النوم.
ومن الأمور الواجب اتباعها ألا تنظر في ساعتك أو ساعة الحائط أمامك حتى الصباح وأن تتجنب التفكير في الوقت وأنت تقاوم الأرق، ويجب أن تحافظ على نمط معتاد تتبعه دومًا ولا تحيد عنه لأن جسدك بحاجة إلى هذا النمط حتى يفزر الهرمونات ويحافظ على درجة الخلايا المناسبة للنوم.
وبالنسبة (للدورات اليومية) ويقصد بها القيام بالأمور في أوقاتها المحدودة مثل النوم في وقت معين والاستيقاظ في وقت معين، فيجب الحافظ على انتظامها، فعندما تذهب إلى سريرك متأخرًا في ليلة ثم تذهب مبكرًا في الليلة الثانية فسوف يحدث خلل في تلك الدورات وهذا من شأنه أن يؤثر سلبًا على طبيعة النوم لديك وأيضًا من الأمور التي تؤهلك للنوم أن تخفض مستوى الإضاءة في المنزل قبل النوم ويمكنك استعمال المصابيح التي فيها الإضاءة تدريجيًّا من خلال الضغط على زر معين، والهدف من كل ذلك أن تخلق جوًّا يساعد، ويفضل اتباع برنامج لممارسة التمارين الرياضية، فالتمارين أثناء النهار تساعد في تحسين وإطالة مراحل النوم خاصة الثالثة والرابعة وتلك هي أهم المراحل بالنسبة لجهازك المناعي.
ويجب تجنب الكافيين والتبغ، فتناولك لفنجان واحد من القهوة يكمن أن يظل أثره في جهازك لمدة 24 ساعة بعد تناوله، وحتى إذا كنت بخير في يوم من الأيام فإن التغيرات التي تحدث في دورة الجسم ربما تجعل الكافيين والنيكوتين أسوء مشكلة في اليوم التالي، وأفضل سياسة هو أن تتجنبهما معًا، وأيضًا تناول اللبن الدافئ قبل النوم قد يساعدك على النوم.
ويجب أن تدرك جيدًا عزيزي القارئ أن النوم جزء هام من برنامجك الوقائي بدرجة لا تقل أهمية عن الغذاء وممارسة الرياضة، وفقدانك حتى ليلة واحدة له أثار أكبر وأخطر من مجرد الشعور بالترنح في اليوم التالي، فتلك يمكن أن تتراكم ويومًا لا يستطيع أن تتجنب الأضرار الناجمة عن ذلك وفي النهاية لا مفر من أن بدنك في حاجة النوم المناسب كمًّا وكيفًا أيا كان مقدار انشغالك ويجب أن تجعل راحتك البدنية وخلودك إلى النوم من أولويات حياتك.
إعداد وترجمة: أحمد الشاهد.
المصدر: موقع الشبكة الإسلامية.